منوعات

عالم الآثار د. حسين عبد البصير في حزب حماة الوطن بالإسكندرية

الإسكندرية – أ. ب. م

تحت رعاية اللواء طارق بركات رئيس قطاع شمال وغرب الدلتا بحزب حماة الوطن، وبتوجيهات الأستاذ محمد مجاهد أمين

عام المحافظة بالإسكندرية لحزب حماة الوطن، والأستاذ محمود عسكر أمين التنظيم بالحزب أمانة الإسكندرية ألقى عالم

الآثار الدكتور حسين عبد البصير أمس الاثنين الموافق 13 مايو الجاري محاضرة تحت عنوان “تقديس العمل في مصر

القديمة” بمناسبة الاحتفال بعيد العمال من خلال منتدى التنوير المنبثق من أمانة اللجان النوعية المتخصصة بحزب حماة

الوطن أمانة الإسكندرية وأمينتها الدكتورة سحر شريف، والتي أدارها أحمد بسيوني أمين مساعد أمانة اللجان النوعية

المتخصصة في حزب حماة الوطن بالإسكندرية.

قال الدكتور حسين عبد البصير خلال الندوة إن تقديس العمل كان جزءا مهما من الحضارة المصرية القديمة كان العمل يعد

وسيلة للتعبير عن الولاء والتقدير للملك والدولة، وكذلك وسيلة لكسب رضا الآلهة. وكان المصريون يرون العمل كواجب ديني

واجتماعي.

أضاف الدكتور عبد البصير يرجع الفضل الأكبر في استمرار وازدهار الحضارة المصرية القديمة ووصولها إلينا بهذا الشكل

المدهش الذي ما يزال خيال العالم أجمع وكل من يزور أو يشاهد آثارنا المصرية القديمة في الداخل والخارج إلى إيمان

المصري القديم بالعمل كقيمة عظمى في حياته الأولى وحياته الثانية الأبدية بعد الموت التي لم يكن من ورائها فناء. وليس

هذا فحسب فلقد آمن المصريون القدماء بأن إتقان العمل من الأشياء الطيبة المحببة التي يرضى عنها الرب ومن أجلها يكرم

صاحب العمل المتميز في دنياه ويديم ذكراه بعد موته ويجعله من المخلدين في دار الآخرة حيث النعيم الأبدي.

بالنظر إلى كل الآثار المصرية القديمة، على تنوعها وثرائها الأخاذ، فإن الشك لا يساور المتأمل منا لتلك الحضارة وإلى آثارها

العظيمة في وجود نظام إداري محكم قام بالإيمان بالعمل كقيمة وتذليل كل العقبات أمام فريق العمل حتى يتجاوز مرحلة

أداء العمل إلى الوصول إلى مرحلة الإبداع في العمل والاندماج فيه حتى تتحقق لنا تلك المعجزة المسماة ب “مصر

القديمة” التي لم تكرر أبدا ولن تكررا كثيرا ولا تضاهيها أية حضارة كانت في الماضي أو الحاضر.

لقد كان الملك المصري القديم هو الحاكم الفعلي المنفذ في إدارة شؤون البلاد منذ بداية توحيد مصر على يد الملك مينا–

في حوالي عام 3200 قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام- إلى نهاية مصر القديمة في عام332 قبل الميلاد عندما احتل

الإسكندر الأكبر مصر ثم دخول مصر المرحلة البطلمية من بعده وصارت مصر دولة يحكمها الغرباء لقرون عديدة وبصفة الملك

رأس الدولة والسلطة المركزية متمثلة في جميع السلطات التشريعية والحربية والتنفيذية فضلا عن رئاسته للسلطة الدينية

والكهنة، فقد كان دور الملك الأساس هو إدارة شؤون البلاد وتسيير الأعمال بشكل متناغم من أجل إتقان العمل وزيادة

الإنتاج وإطعام الشعب وإمداد معابد الآلهة بالأوقاف المطلوبة من أجل استمرار الرخاء والأمن والأمان في طول البلاد وعرضها

والدفاع عن مصر وحدودها وإقامة العدالة على أرضها الطيبة. وكان الملك المصري يحكم مصر نيابة عن آلهة مصر الكبار

باعتباره ابن الآلهة والوريث الشرعي لهم على الأرض. وهكذا كان الحاكم المصري مصدر السلطات مجتمعة ورأس إدارة

العمل.

أوضح الدكتور حسين عبد البصير لا يعنى العمل العمال الحرفيين أو الفنيين المهرة، كما يعتقد الكثيرون، وإنما كان يعنى

بالعمل العمل على كل المستويات في الدولة المصرية العريقة ولا يستثنى من ذلك المستويات العليا لإدارة الدولة ممثلة

في الملك كنائب عن الآلهة في إدارة البلاد والوزير ممثلا للملك ثم حكام الأقاليم ممثلين للسلطة التنفيذية. ولا يمكن أن

ينسى في هذا السياق التعاليم العظيمة الموجهة من الملك للوزير والتي يجب أن يتقنها كي ينجح في إدارة الأعمال في

البلاد مثلما جاء في تعاليم الملك تحتمس الثالث لوزيره المعروف رخميرع والموجودة في مقبرته رقم 100 في مقابر نبلاء

البر الغربي لمدينة الأقصر في صعيد مصر الغالي علينا جميعًا. وفى تلك التعليمات يرشد الملك وزيره إلى كيفية وحسن

إدارة العمل في البلاد وإقامة العدل وتجويد العمل. وحفلت النصوص والمناظر المصرية القديمة بالحث العمل وتقديسه. وفى

تعاليم الوزير بتاح حتب عدد كبير من الإرشادات المتعلقة بالعمل وكيفية التعامل بين الرئيس في العمل وموظفيه التي تعد

دليلا للمديرين الأذكياء إلى يومنا هذا. وكذلك الأمر في نصوص السيرة الذاتية لكبار الموظفين والتي امتلأت بالتأكيد على

إعطاء العمال الذين عملوا في مقابر هؤلاء الموظفين أجورهم كاملة من الخبز والجعة. وألح الموظفون المصريون القدماء في

تلك السير على تفانيهم في اتقان أعمالهم وإنجاز الأعمال التي كلفوا بها من قبل الملك على أكمل وجه كي ينعموا

باستمرارية القرابين إلى مقابرهم بعد وفاتهم واستمرار ذكراهم الطيبة في وجدان الأجيال القادمة وضمان إحسان الآلهة

إليهم في العالم الدنيوي والعالم الآخر حيث حياة أبدية سرمدية بلا موت.

أضاف الدكتور عبد البصير قائلاً لقد أمدتنا المدن المصرية القديمة الخاصة بالعمال في عدد من المواقع الأثرية المهمة مثل

مدينة العمال بناة الأهرام في هضبة الجيزة من عصر الدولة القديمة واللاهون من عصر الدولة الوسطى وتل العمارنة في

مصر الوسطى ودير المدينة في الأقصر من عصر الدولة الحديثة بمعلومات عديدة ووفيرة عن طرق العمل وتنظيمه والفرق

التي كانت تعمل بها وطرق حياتها والأمراض التي حدثت لهم وأسباب وفاة بعضهم أثناء العمل. لقد كان تقسيم وإدارة العمل

واتقانه في مشروع عملاق كبناء الهرم الأكبر عمل به عدد كبير من العمال على مدار زمني طويل هو المعجزة الكبرى

والأهم وراء بناء تلك المعجزة المعمارية التي لا تكرر كثيرا، بغض النظر عن الإعجاز المعماري والفلكي والهندسي. 

في النهاية قال عالم الآثار الشهير الدكتور حسين عبد البصير ما أحوجنا في مصر اليوم لأن نقتدي بأجدادنا المصريين القدماء

في حبهم واتقانهم للعمل حتى تصل مصر العظيمة إلى ما تحب وتصبو إليه وتنتصر على كل التحديات التي تواجه أم الدنيا

حتى تصبح سيدة العالم كما كانت وستظل دائمًا وأبدًا.

من الجدير بالذكر أن مؤلف الكتاب الدكتور حسين عبد البصير هو عالم آثار وروائي وكاتب

مصري، وعضو اتحاد كتاب مصر، وحصل على درجة الليسانس في الآثار المصرية القديمة

في كلية الآثار بجامعة القاهرة، وعلى درجتي الماجستير والدكتوراه في الآثار المصرية

القديمة وتاريخ وآثار الشرق الأدنى القديم في جامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة

الأمريكية. وألف عددًا كبيرًا من الكتب والمقالات العلمية والروايات والقصص مثل “خنوم”،

و”أوشتاتا”، و”سحر الإسكندرية”، و”كتاب الأسرار”، وغيرها. وألف باللغة الإنجليزية “الصورة

والصوت في مصر الصاوية”. وألف كتاب “العيش للأبد: تمثيل الذات في مصر القديمة” مع

مجموعة من أهم علماء المصريات في العالم. ويكتب الدراما للسينما والتليفزيون. وكتب

فيلم “زوسر وإيمحتب: ثنائية الملك والعبقري”، وشغل العديد من المناصب في الداخل

والخارج، وشارك في العديد من الاكتشافات الأثرية المهمة التي أنتجتها الحفائر الأثرية

الخاصة بالبعثات المصرية والأجنبية في مواقع أثرية عديدة مثل الجيزة وسقارة ودهشور

والواحات البحرية وهليوبوليس ونبتة بلايا في الصحراء الغربية وغيرها. وكان مشرفًا عامًا

على المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، والمتحف المصري الكبير بالجيزة،

ومديرًا عامًا لمنطقة أهرامات الجيزة، والمقتنيات الأثرية، والمنظمات الدولية واليونسكو،

وإدارة النشر العلمي بوزارة السياحة والآثار، وغيرها. ودرّس في جامعة جونز هوبكنز

وجامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية والجامعة الفرنسية (السوربون 4) وغيرها.

وحصل مؤخرًا على تكريم المعهد الألماني للآثار بالقاهرة، ومُنِح عضوية دائمة بالمعهد

وهي عضوية مهمة، تُمنَح فقط لأهم علماء الآثار في العالم. ويلقي المحاضرات الأثرية في

مصر وخارجها. ويشارك دومًا في الأفلام الوثائقية التي تنتجها القنوات الأجنبية العالمية

عن مصر القديمة وغيرها. ويشغل الآن منصب مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى