فيديو|هل يفجر زلزال تركيا براكين الغضب بين أصوات العنصرية و ضيوف لا سبيل لرحيلهم
كتب – شريف الزين
يبدو أن زلزال كهرمان مرعش المدمر الذي راح ضحيته أكثر من 40 ألف قتيل ومائة ألف مصاب، في تركيا وسوريا، لن تتوقف توابعه الارتدادية على مجرد هزات أرضية، ولكن قد تمتد إلى تفجير براكين الغضب في صدور بعض المعارضة التركية، التي ضاقت ذرعا وأصبحت لا تتحمل التواجد السوري فوق أراضيهم، رغم الكارثة التي حلت بالبلدين، حيث لم تجد بعض الأصوات المعارضة للتواجد السوري في تركيا، عيبا في الضرب على الحديد وهو ملتهب، والمطالبة برحيل السوريين من أراضيهم، والتحريض عليهم.
فبينما فقدت آلاف العائلات أبنائها تحت الأنقاض وأصبحت مشردة وبعيدة عن بيوتها ومواطنها التي عاشت فيها، تواجه الآن عنصرية بعض الأصوات التي تطالب برحيلهم، لتبدأ من الصفر، رغم شدة الأزمة، وقسوة الكارثة.
عنصرين تنذر ببراكين الغضب
لتظهر خلال اليومين الماضيين عشرات اتهامات المصورة من قبل بعض الأصوات العنصرية ضد السوريين والتواجد العربي في تركيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتهم هذه الشخصيات سوريين لاجئين في بلادهم بتنفيذ أعمال نهب وسرقة في المناطق المنكوبة، بل أنها طالبت بطرد السوريين جميعا والتضييق عليهم بزعم “خطرهم على الأمن القومي”.
وردت السلطات التركية ممثلة في حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بإصدار بيانات رسمية هاجمت من خلالها “مثيري الأخبار الكاذبة والاستفزازت”، وانضم إليهم صحفيون وكتاب أتراك وحقوقيون وعمال إنقاذ على الأرض.
وبحسب حقوقيين ومراقبين، فإن السوريين معرضون الآن لأسوأ موجة من العنصرية رغم الكارثة، الأمر الذي يزيد من سوء أوضاعهم، و”الحياة المرّة” التي سيقبلون عليها من جهة، فضلا عن التحديات المتعلقة بطريقة إدارة ملفهم من قبل الحكومة التركية في الأيام المقبلة، وما يرافق ذلك من مشاعر العداء والاستياء، التي يصدّرها سياسيون في أحزاب المعارضة.
ووجه من بين هؤلاء السياسيين العنصريين ضد التواجد السوري، زعيم “حزب النصر” أوميت أوزداغ، حيث وجه اتهامات بالسرقة والنهب، للسوريين، وزعم أن سوريين قاموا بسرقة محتويات البيوت المنهارة، من مصاغ وأثاث، بل وأطفال صغيرة لاستغلالهم في تجارة الأعضاء.
فيما كشفت وسائل إعلام تركية، يوم الثلاثاء، أنه التقى شبان قبل أيام من نشر تسجيل مصور لهم حمّل عبارات “خطيرة”.
وردد الشبان في التسجيل المصور الذي أثار استياء واستنكار كثيرين: “دعونا نطلق النار على السوري في هاتاي. دعونا نطلق النار على الأفغاني في كهرمان مرعش. كفى، دع هذا السلام ينتهي. انهض ببنادق الكلاشينكوف!”.
منذ مطلع العام 2022 كان “أوزداغ” قد حوّل وبالتدريج السوريين إلى “مادة دسمة” تتصدر برنامجه الانتخابي في البلاد، ورؤيته السياسية المرتبطة بالانتخابات الرئاسية.
ومع ذلك لكن لم يكن من المتوقع أن يتجه لإثارة حملات التحريض في الوقت الذي ما يزال هناك الآلاف تحت الأنقاض، وتستمر الفرق بإحصاء أعداد الضحايا والمشردين.
كما كتب السياسي المعارض، محرم إينجه عبر حسابه في “تويتر”، قبل أيام: “أثناء التعامل مع كارثة الزلزال، تُلعب لعبة كبيرة في هاتاي. حدودنا مفتوحة والسوريون يواصلون القدوم. أنا أحذر 85 مليون مواطن”.
الأمر الذي استدعى وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو للنفي، بقوله: “المعلومات عن قدوم عدد كبير من السوريين إلى تركيا غير صحيحة”.
لماذا تبدو مضاعفة؟
وبالأرقام كانت مدينة غازي عنتاب التي أصابتها الكارثة تستضيف في السنوات السابقة النسبة الأكبر من اللاجئين السوريين في جنوبي تركيا، إذ احتضنت 460 ألفا و150 لاجئا تليها مدينة هاتاي بـ354 ألف لاجئ، وأورفا 368 ألف لاجئ، وأضنة 250 ألف لاجئ.
كما يعيش في كل من كهرمان مرعش وكلس وأديمان والعثمانية ودياربكر وملاطيا حوالي 550 ألف لاجئ، بحسب أحدث إحصائيات رئاسة الهجرة التركية، في مطلع فبراير الحالي.
ومنذ مطلع الأسبوع الفائت لم يتوقف النعي بين أوساط السوريين المقيمين في تركيا، ومن خلال مواقع التواصل كتب كثيرون أسماء ضحاياهم من أقاربهم ومعارفهم هنا وهنا، بينما اتجه آخرون للبحث وهم تائهين، في مسعى للحصول على أي خبر عن المفقودين.
في المقابل واجهت العائلات التي تمكنت من الخروج إلى ولايات تركية أخرى بعيدة عن الضرر الحاصل “كارثة” أخرى تتعلق بالحصول على منزل ورفاهية اختيار المنطقة المراد قصدها، بسبب الإجراءات القانونية التي تحد من تنقلهم في البلاد، والمكوث لفترات طويلة في أحياء ومناطق معينة دون غيرها.
وكشف الناشط الحقوقي المهتم بملف اللاجئين السوريين، طه الغازي إلى أن منظمات حقوقية تركية ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” سيجتمعون الثلاثاء مع رئاسة الهجرة التركية، بُغية مناقشة واقع اللاجئين السوريين بعد الزلزال.
وأوضح الغازي، أن”رئاسة الهجرة” عدلت عن قرارها المتضمن إغلاق ولاية إسطنبول أمام قدوم اللاجئين السوريين، والذين كانوا مقيمين في المناطق المتضررة من الزلزال، كما سيتم النظر بواقعهم وفق عدة نقاط.
من هذه النقاط أن “اللاجئين الذين قدموا إلى إسطنبول وكان لهم أقرباء أو قاموا باستئجار منازل، سيحق لهم البقاء في الولاية (كفترة أولية) لمدة 3 أشهر، شريطة أن يقوموا بإبلاغ المؤسسات الحكومية (دائرة الهجرة، القائم مقام، المختار) بعناوين إقامتهم “.
بالإضافة إلى أن “اللاجئين السوريين الذين قدموا إلى إسطنبول ولم يجدوا مأوى أو لم يكن لم أقرباء فهم مخيرون بين التوجه إلى مركز الإيواء Binkılıç في منطقة Çatalca وبين الانتقال إلى ولاية أُخرى”.
وكانت رئاسة الهجرة التركية قد ألغت، في اليوم الثالث من الزلزال المدمّر شرط استخراج إذن سفر بالنسبة للسوريين المقيمن في المناطق المنكوبة للتنقل بين المدن، فيما استثنى القرار مدينة اسطنبول.
وعادت السلطات لتسمح، يوم الاثنين، بعبور من يريد من اللاجئين إلى سوريا عبر البوابات الحدودية، مثل “باب السلامة” و”باب الهوى” و”الراعي” و”تل أبيض”، على أن لا تقل مدة الزيارة إلى هناك عن 3 أشهر، وتزيد عن 6.
“مؤشرات تنذر بالأسوأ”
يرى المحامي السوري المقيم في مرسين، غزوان قرنفل أن المؤشرات في الوقت الحالي “تنبئ بأن هناك ضيق وعودة لتصاعد خطاب العنصرية تجاه السوريين”، مشيرا إلى التسجيل المصور الذي حمل عبارات تعرض حياتهم للخطر.
ونقل موقع “قناة الحرة” عن قرنفل قوله: “بين الفترة والأخرى أنادي بأن من حصل على فرصة للمغادرة الآمنة من تركيا إلى وجهة أخرى وبلد آخر يجب عليه أن لا يتوقف لأي لحظة”.
“لدي قناعة لا تحمل أدنى شكل بأننا ذاهبين نحو الأسوأ”
ويضيف المحامي: “الوضع الخاص بالسوريين مزريا خلال الكارثة. رغم الاستجابة الجيدة من جانب الجمعيات والسوريين باتجاه دعم أهلهم وناسهم لكن هناك تخبط في العمل وعدم تنسيق وعدم اتخاذ إجراءات صحيحة، لتنظيم الحالة مرة أخرى في الولايات”.
في المقابل اعتبر قرنفل أن “الجانب التركي مستقيل تقريبا من مسؤوليته اتجاه اللاجئين الذين أتوا من الولايات المنكوبة. باستثناء البعد الأمني”.
لكن وفي وقت كانت فيه شخصيات سياسية تحرّض اتجاه الوجود السوري في البلاد، خرج وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو بخطاب قبل أيام قال فيه: “حين يحدث الزلزال تتهم المعارضة السوريين بالسرقة والاغتصاب والنهب. نحن كلنا هنا متضررون من الكارثة”.
وأضاف: “ما الفائدة من تفريق الناس بناء على عرقهم ولونهم؟ حسنا. إذا كنتم تريديون هذا فلنترك السوريين هناك في البرد حتى يفارقوا الحياة. هؤلاء الناس لم يسرقوا بالأمس فهل يعقل أن ينتظروا الزلزال ليسرقوا؟”.
كما علق وزير الخارجية، شاويش أوغلو، على مزاعم أن السوريين يتدفقون إلى داخل تركيا عقب الزلزال، وقال إن “المساعدات الإنسانية إلى المناطق السورية التي تسيطر عليها المعارضة يجري توصيلها من خلال معبر باب الهوى الحدودي، وإن تركيا مستعدة لفتح معبرين حدوديين جديدين من منطقة كلس بعد الزلزال”، مردفا أن “جميع هذه المعابر الحدودية من أجل المساعدات الإنسانية. ولا يعني ذلك أن السوريين قادمون إلى تركيا من خلال هذه المعابر”.
يأتي ذلك في الوقت الذي تتزايد الضغوط على الحكومة التركية، من أجل إعادة السوريين إلى بلادهم، وفي جانب آخر هناك ضغوط اقتصادية جديدة”، لتشير التقديرات بأن وضع السوريين في الفترة المقبلة ربما ينفجر ويكون أصعب مقارنة بالفترات السابقة في ضوء هذه التحديات.