مصر تتجه لبيع محطات كهرباء أنشأتها بقروض خارجية كبيرة
كشف أيمن سليمان الرئيس التنفيذي لـ “صندوق مصر السيادي” بيع محطات توليد كهرباء وطاقة متجددة لمستثمر استراتيجي، ضمن خطة الحكومة لخصخصة أجزاء من حصصها في شركات متعددة.
وقال الرئيس التنفيذي لـ “صندوق مصر السيادي” في مقابلة مع قناة «الشرق مع بلومبرج» على هامش القمة العالمية للحكومات في دبي، إن بيع محطات توليد الكهرباء يأتي في إطار خطة الحكومة، لطرح عشرات الشركات الحكومية في البورصة المصرية، أو بيعها لمستثمرين استراتيجيين .
وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أعلن، في مؤتمر صحفي، الأربعاء الماضي، عن طرح 32 شركة مملوكة للدولة على مدار عام كامل، وذلك لمستثمرين استراتيجيين أو للاكتتاب العام في البورصة المصرية أو كليهما، ضمن محاولات الحكومة لتأمين تدفقات من النقد الأجنبي، وأيضًا التزامًا بتخارج الدولة من بعض القطاعات الاستراتيجية تحت مظلة اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي على برنامج لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري يدعمه الصندوق بقرض يبلغ حوالي ثلاثة مليارات دولار.
وبحسب مدبولي، فإن الخطة تشمل ثلاث محطات لتوليد الكهرباء: محطة بني سويف التي تعمل بالغاز الطبيعي، ومحطتي جبل الزيت والزعفرانة لتوليد الكهرباء من الرياح.
ونقل موقع ” مدى مصر” عن خبراء في قطاع الطاقة، إن نجاح الطرح يعتمد على الاتفاق مع القطاع الخاص حول بيع الكهرباء للمستهلكين، خاصة في ظل التزام مصر بسداد قروض بمليارات الدولارات كانت استخدمتها في تمويل إنشاء المحطات نفسها.
وأنفقت مصر مليارات الدولارات من خلال قروض خارجية لتمويل إنشاء محطات كهرباء، من بينها محطة كهرباء بني سويف، التي افتتحها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي 2018، ضمن ثلاث محطات أنشأتها شركة سيمنز الألمانية بالتعاون مع أوراسكوم كونستراكشن والسويدي إليكتريك، لتوليد 14.4 جيجاوات كهرباء من الغاز الطبيعي، بتكلفة إجمالية تصل إلى ستة مليارات يورو، أي ما يعادل حوالي ملياري يورو لكل محطة.
وتكفلت بنوك “التعمير الألماني” و”دويتشة بنك” و”إتش إس بي سي”، بتوفير نحو 85% من التمويل اللازم في هيئة قروض، فيما وفرت وزارة المالية للشركة القابضة للكهرباء 15%.
وبدأت الشركة القابضة للكهرباء سداد أول دفعة من قروض البنوك الألمانية في 2019، في صورة دفعات دورية تتراوح بين 20 و30 مليون يورو لكل دفعة على مدار 12 عامًا، ما يعني استمرار الديون حتى 2031.
كان هذا العبء المالي، بالإضافة إلى الوفورات التي تحققت من إنتاج الكهرباء، وراء قرار الحكومة بمحاولة بيع المحطات الثلاثة، بالتزامن مع بدء سداد القرض.
وكان قد كشف في 2019، وزير الكهرباء محمد شاكر لوكالة “بلومبرج” إن مصر تلقت عرضًا من شركة “زارو” التابعة لمجموعة “بلاكستون” العالمية، وآخر من شركة “إدرا باور” الماليزية، للاستحواذ على المحطات الغازية الثلاث، وهي العروض التي لم ترد عليها الحكومة.
واستمرت الحكومة في تأجيل قرار بيع المحطات. وتجددت الخطة مرة أخرى العام الماضي، مع استمرار الحكومة في تلقي عروض لشراء المحطات.
وقالت مصادر وقتها لجريدة «الشرق مع بلومبرج» إن تأجيل طرح المحطات كان بسبب القروض القائمة عليها، وكذلك عدم تشغيل المحطات بكامل طاقتها، إذ كانت حينها تعمل المحطات الثلاث بما لا يتجاوز 85% من قدراتها الإجمالية.
بالإضافة لذلك، واجهت العروض مشاكل في تحديد مدى إمكانية أن تشتري الحكومة الطاقة المُنتَجة من المحطات، وكذلك توفير الغاز الطبيعي اللازم لها، في ظل استمرار الدولة في دعم الغاز الطبيعي الموجه لإنتاج الطاقة.
و في سبتمبر الماضي وافقت الشركة القابضة للكهرباء على فصل محطة بني سويف لتوليد الكهرباء عن شركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء التي انضمت إليها عند إنشائها، وأصبحت محطة بني سويف مستقلة باسم شركة بني سويف لإنتاج الكهرباء، التي قُدر رأس مالها بحوالي 11 مليار جنيه، استعدادًا لطرح الجزء الأكبر منها للمستثمرين، بينما تحتفظ وزارة الكهرباء وصندوق مصر السيادي بحصة أقلية.
وقال موقع “مدى مصر” في تقريره، إن محطة بني سويف ليست وحدها التي تعاني من الديون، إذ تعتزم الحكومة أيضًا بيع مزرعتي رياح أنشئتا حديثًا بقروض أوروبية ويابانية.
وتنتج محطة جبل الزيت نحو 580 ميجاوات من خلال ثلاث محطات صغيرة. محطة رياح جبل الزيت (1) بقدرة 240 ميجاوات وميزانية إجمالية 340 مليون يورو تقريبًا، من ضمنها 5.191 مليون يورو مقدمة من البنك الألماني للتعمير (KFW)، وقرض بقيمة 50 مليون يورو من بنك الاستثمار الأوروبي، ومنحة بقيمة 30 مليون يورو مقدمة من الاتحاد الأوروبي.
أما محطة جبل الزيت (2)، بقدرة 220 ميجاوات، فأنشأت بالتعاون مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي JICA، التي قدمت قرضًا للحكومة لإنشاء المحطة في 2010، بتكلفة 38 مليار ين ياباني.
بالمثل، أُنشئت محطة جبل الزيت (3) بتمويل 120 مليون يورو قدمته الحكومة الأسبانية في 2014 مقابل طرح مناقصة إنشاء المحطة للشركات العاملة بالسوق الإسبانية فقط.
والمحطة الثالثة التي تطرحها الحكومة للقطاع الخاص هي محطة توليد الرياح بالزعفرانة، والتي أُنشئت على ثماني مراحل بين 2000 و2010 بقروض ميسرة من دول الدنمارك وإسبانيا واليابان وألمانيا، وصل إجماليها إلى 110 ملايين يورو.
وكانت الحكومة تلقت ثلاثة عروض من شركات أمريكية وبريطانية وألمانية للاستحواذ على حصص تتراوح بين 20 إلى 30% من محطات طاقة الرياح، لكن، أيضًا لم تستكمل الحكومة الإجراءات.
ونقل التقرير عن أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، هشام إبراهيم، أنه من الطبيعي لكل الشركات والمشاريع أن تكون هناك مديونيات، وتشكل قروض الشركات فارق عند التقييم في حالات الاستحواذ والبيع من خلال احتساب حجم تكلفة التمويل إلى عائد الاستثمار، في حال كان عائد الاستثمار أكبر، يرفع ذلك من تقييم الشركة، والعكس.
الأمر نفسه أكد عليه رئيس قطاع البحوث في إحدى شركات الاستثمار المالي، عمرو الألفي، مشيرًا إلى أن الصفقات من هذا النوع ستعتمد على سياسة الحكومة والحصة التي تنوي بيعها.
وأشار الألفي إلى أن تواجد فائض في الكهرباء المنتجة محليًا، يعني غياب الطلب بالشكل الذي يحقق ربحًا كافيًا للمستثمرين ما إن لم تشترِ منه الحكومة الطاقة بسعر مناسب.
يقول الباحث بمجال الطاقة، محمد يونس، إن خصخصة شركات الطاقة يضمن عائدًا جيدًا للمستثمرين الذين ستبيع لهم الحكومة حصصها، مشيرًا إلى أن في حالة محطة بني سويف، التي تعتمد على الغاز الطبيعي، سيحصل المستثمر على الغاز بأسعار مستقرة.
وتحركت أسعار بيع الغاز لشركات توليد الكهرباء، خلال السنوات الثلاث الماضية، بنسبة ضعيفة، حيث تم تثبيتها عند ثلاثة دولارات لمليون وحدة حرارية خلال العام المالي 2019-2020، ثم قرر مجلس الوزراء، في 2020، رفعها إلى 3.25 دولار، قبل أن تُخفّضه مجددًا إلى ثلاثة دولارات في منتصف العام الماضي.
من ناحية أخرى، أشار يونس إلى أن هذا الاتجاه سيقضي على المكسب الاجتماعي المتمثل في إمكانية تحكم الحكومة في أسعار الكهرباء كأداة امتصاص للأزمات الاجتماعية.
وتعتمد مصر في توليد الكهرباء على الوقود الأحفوري بنسبة تتخطى 90% تشمل الغاز والمازوت، فيما تصل نسبة التوليد من الرياح والشمس أقل من 5%، وفقًا لبيانات مرصد الكهرباء بحلول نهاية ديسمبر الماضي.
ولدى مصر إمكانات نمو في قدراتها من الطاقة النظيفة بنحو 68% أو 4 جيجاوات، خلال السنوات الخمس المقبلة، بحسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة. لتصل إجمالي قدرات مصر من الطاقة المتجددة إلى نحو 10.1 جيجاوات بحلول 2026، مقارنة بنحو 6.1 جيجاوات بنهاية عام 2021.
وتتوزع حصص استهلاك الطاقة الكهربائية في مصر بنسبة 43% للقطاع المنزلي، يليه القطاع الصناعي بنسبة استهلاك 31%، ثم 4.5% لصالح الإنارة العامة في الشوارع، ثم المباني الحكومية.